هل تزداد معاناتك من عدم زواجـك حين ترين امرأة مع زوجها وأولادها يخرجون في نزهة؟!
أيجعلك هذا تتذكرين وحدتك، وحرمانك الزوج ومساندته، والأولاد وبراءتهم؟!
أيثير فيك إحساسا بأنك مظلومة، أو أنك
تعيسة، أو أنك محرومة؟
تمهلي قليلا، ولا تدعي هذه المشاعر السلبية، والأحاسيس المحبطة؛ تملأ عليك نفسك، وتزرع فيك الحزن .
لقد رأيت جانبا واحدا من حياة هذه الأسرة؛ لكن هناك جوانب كثيرة أخرى لم ترها عينك.
واعلمي أنك أسعد من غيرك كثيرا....
(((((حروف صادقة وغاية نبيلة)))))
أعرض رسالة تلقيتها من الأخت التي كَنَت نفسها ب "أم يمان "، وتحدثت فيها
عن تجربتها الناجحة بتجاوز ما يمكن أن يسببه لها عدم زواجها من حزن أو
إحباط.
تقول في بداية رسالتها: "شكر الله سعيكم، وجزاكم خيرا على اختيار هذا الموضوع الشائك الذي يهم فردا مهما هو: المرأة".
وتضيف: "أود أن أنقل إلى أخواتي في الله تجربتي المتواضعة التي خرجت منها أكثر سعادة، بعون الله وفضله ".
ثم تشرح حالها فتقول: "بلغت الأربعين من عمري ولم
أتزوج، وأحمد الله على كل حال ارتضاه لي. في بداية أمري كنت أشعر بالحسرة
والألم كلما خلوت بنفسي، وأندب حظي كلما تزوجت واحدة من صديقاتي. لم تكن لي
شروط أو مواصفات محددة في الرجل الذي أرتضيه زوجا" فقد كنت مستعدة للقبول
بأي رجل صالح. لكن السنين مرت دون أن يأتي هذا الرجل. صرت أعتزل الناس
لأتحاشى نظرات الشفقة... ولم أنج منها تماما فقد كنت أراها في عيون والدي
وإخوتي الذين كانوا يدعون لي كلما رأوني ". "وفي يوم من أواخر أيام شهر
شعبان، ونحن نستعد لشهر رمضان المبارك، هداني الله إلى اقتناء مصحف خاص بي.
صممت على ختمه. وجدت صعوبة كبيرة في قراءته بسبب انقطاعي عن القراءة طوال
عشر سنين مضت ". "وجدت صعوبة كذلك في فهم بعض الآيات، فاشتريت كتاب تفسير،
وصرت أقرأ فيه تفسير ما أتلوه من آيات الكتاب الحكيم. انتهى رمضان ولم ينته
تعلقي بكتاب الله، فواصلت تلاواتي آيات الله وقراءة تفاسيرها ".
"وجاء اليوم الذي استوقفتني فيه آية في سورة الكهف
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}.
تساءلت: ما معنى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ}
وجدت في التفسير أنها كل عمل صالح ".
"عشقت الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وتسبيح و تحميد وتهليل وتكبير.
وبدأت السعادة تملأ قلبي، والرضا يستقر في نفسي. حمدت الله حمدا كثيرا أن
هداني إلى هذا الطريق وأرشدني إلى معالمه ".
تستدرك الأخت أم يمان فتقول:
"لكن هذه ليست دعوة للرهبانية، بل هي دعوة للرضا بقضاء الله وقدره ".
وتورد من ديوان الشافعي بيته الشهير:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
وكذلك أبياته:
ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد لما قد علمت
ففي العلم يجري الفتىوالمسن فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن على
ذا مننت وهذا خذلت وذاك أعنت وذا لم تعن
وتختم بقولها: "لقد أطلت عليكم كثيرا، ولكن يعلم الله أني أريد منفعة المسلمين ".
ثم تذكر ملاحظة تقول فيها: "إن لم تكن رسالتي تستحق النشر فأنا أتفهم ذلك، فقد كتبت الرسالة وأنا في قمة انفعالي ".
يا أخت أم يمان؛ بل تستحق رسالتك النشر، بل
والشكر والدعاء، ويكفي الصدق الذي كتبت به حروفها، والإخلاص الذي انطلقت
منه كلماتها، والرضا الذي كان بين سطورها، والغاية النبيلة التي توجهت
إليها معانيها.
بارك الله فيك، وأجزل لك الأجر على نصحك أخواتك، ووفقك إلى مزيد من هذا العطاء.
يتأخر زواجهن لأنهن... غير أنانيات!
في السابعة والثلاثين من عمرها. تعمل أخصائية اجتماعية. تشرح سبب عدم
زواجها حتى الآن بقولها: في أثناء دراستي في الجامعة، وأثناء عملي بعد
تخرجي، تقدم لي كثير من الشباب الذين يرغبون في الزواج مني، ورغم ارتياحي
إلى بعضهم، وعدم رفضي لهم،- فقد كانوا ذوي ثراء أو منصب علمي- ورغم قدرة
الكثيرين منهم على تكوين أسرة والإنفاق عليها، فإنني كنت أرفض هذه الفرص
للزواج حرصا على والدتي المريضة، التي لم يكن لها أحد غيري، لأن شقيقاتي
صغيرات وغير قادرات على رعايتها من بعدي، بل كن في حاجة إلى من يرعاهن.
لهذا رفضت الزواج في سن مبكرة حتى تكبر شقيقاتي ويصبحن قادرات على رعاية
والدتنا بعد زواجي وتركي منزل أسرتي.
لا يمكن لنا إلا أن نصف ما أقدمت عليه هذه الأخت بالتضحية والإيثار، وهما خلقان عظيمان، يدلان على نفس نبيلة، وقلب سليم.
إنها ابنة بارة بأمها، حريصة عليها، رحيمة بضعفها، تحررت من الأنانية وإيثار النفس.
ولكن، أما كان يمكن أن تتزوج هذه الأخت دون أن تتخلى عن أمها وعن أخواتها؟
هل يكون جزاء إيثارها وتضحيتهما أن تعيش بقية عمرها دون زوج وأولاد؟
أجل. كان يمكنها الجمع بين حبها لأمها وزواجها! ولكن متى؟ وكيف؟ حين يتقدم
الخاطب إليها، ويعلم أن سبب رفضها الزواج منه هو رغبتها في رعاية أمها،
فيزداد تعلقا بها، ورغبة فيها، وحرصا على الزواج منها، لأنها فتاة مرضية من
أمها، وذات خلق جعلها تضحي، فيقول لها: والدتك والدتي، أرعاها كما
ترعينها، وأبرها كما تبرينها، وأخواتك أخواتي، أتزوجك ونقيم معا في بيت
ملاصق لبيت أمك وأخواتك، أو ينتقلون ليقيموا في بيت ملاصق لبيتنا.
هذا ما كان ينبغي أن يصدر عن أولئك الذين تقدموا إلى خطبتها، أو عن واحد
منهم على الأقل، فمثل هذه البارة بأمها لا ينصرف عنها الرجل الحكيم البصير
الراغب في زوجة تطيعه، وتحسن عشرته وتربية أطفاله.
لكنها الأنانية، وحب الذات، وعدم إدراك الأجر الذي يناله الرجل لو أعان هذه
الفتاة على بر أمها ورعاية شقيقاتها، والزواج منها في الوقت نفسه.
وكأنما كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم سلمة (هند بنت أبي أمية بن
المغيرة) ليتأسى به المسلمون فلا يمنعهم ما تحمله الفتاة أو المرأة من
مسؤوليات تجاه أولاد وبنات، أشقاء لها أو أبناء، من الزواج منها. فقد تقدم
إلى خطبتها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني مسنة ذات عيال، وأغار من
النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنك مسنة فأنا أكبر منك، وأما
الغيرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله ".
إن الرغبة لتزداد في فتاة تضحي من أجل أهلها، لكن الواقع الحزين أن الرجال
ينصرفون عن هؤلاء الفتيات والنساء، ويزهدون بهن، ويبحثون عمن تترك أهلها من
أجلهم وحدهم.
وتبقى كلمتان، الأولى لكل فتاة تجد نفسها مسئولة عن أبوين كبيرين أو عن أحدهما:
لا ترفضي الخاطبين؛ إنما صارحيهم بحالك، وأخبريهم أنك تحرصين على تحمل
مسؤولياتك تجاه أهلك وأنك تسعدين لو رضي المتقدم إليك بذلك، وشاركك فيه،
وأنك مستعدة للزواج منه إذا قبل بحالك.
الكلمة الثانية لمن لم تتزوج بسبب تضحيتها، مثل
تلك الفتاة التي بدأت بحكايتها كلامي هذا، أقول لها: لا تندمي على تضحيتك،
فإن لك- إن شاء الله تعالى- لأجرا كبيرا، وثوابا عظيما، على إيثارك أهلك أو
أولادك.
تجربتي.. أحكيها لكم
"المرأة المؤمنة، العاملة في مجال الدعوة إلى الله، لا يمكن أن تشعر بأنها عانس، ولو صارت عجوزا. هذا ما رأيته، وشاهدته، وجربته ".
بهذه الكلمات الإيمانية تبدأ الأخت الفاضلة أم الحسن (فاطمة محمد صالح)
رسالتها التي تتحدث فيها عن سعادتها، ورضاها، وطمأنينتها، على الرغم من عدم
زواجها.
كيف وصلت إلى هذا؟ كيف حققت هذا الارتفاع على الشعور بالنقص الذي قد يصيب من لم تتزوج؟ ها هي تجيب عن ذلك فتقول:
"لأنها جعلت الدعوة إلى الله في قلبها، وشغفت حبا بكل أساليب الدعوة، فهي
تقرأ الكتب الإسلامية، وتسمع أشرطتها، وقد تكتب أحيانا.. لتفيد جميع من
حولها، وتنقل إليهم ما استفادته من قراءتها الكتب، وسماعها الأشرطة".
ولا تكتفي الأخت فاطمة بهذا الكلام العام؛ بل هي تفضل في حديثها وتشرح نصائحها لأخواتها كما يلي:
- إذا كانت طالبة في مدرسة فيمكنها أن تخصص لها دفترا تكتب فيه المعلومات
المفيدة التي تقرأها أو تسمعها، ثم تنشر هذه المعلومات التي استفادتها في
مجلة الحائط، أو إذاعة المدرسة.
وكذلك تسعى لتكوين أخوات صالحات من حولها، وتتنافس معهن في الطاعات: (صيام
الأيام البيض في كل شهر- الأذكار- الابتسامة في وجوه الصديقات والزميلات-
السلام على من عرفت من النساء ومن لم تعرف).
- وإذا كانت طالبة في جامعة فلتحرص على إعطاء دراستها وقتا كافيا، واهتماما
وافيا، بحيث تملأ الدراسة لها وقتها، وتشغل اهتمامها، لتكون متفوقة بإذن
الله تعالى.
- وإذا كانت تعمل، وأغلب من يعملن هن معلمات، فإن من تتصل بهن كثيرات:
زميلاتها المعلمات، والتلميذات أو الطالبات. وتستطيع أن توجه طاقاتها لهن،
وتبذل اهتمامها بهن؛ توجيها وتربية ونصحا وإرشادا.
- وإذا لم تكن طالبة ولا جامعية ولا عاملة... فماذا تفعل؟ وكيف تمضي وقتها وتملأ فراغها؟ وبم تشغل نفسها؟ وإلام تصرف اهتمامها؟
لقد بدأت مع أخوات لي في الله من هذه الشريحة، كن يشتكين من السأم والملل لكثرة الأوقات.. فصرن يشتكين من قلة الوقت! كيف تحقق هذا؟
- عقدنا رابطة الإخاء في الله فيما بيننا، وتم التعارف في أحد المراكز
الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، فقد سبق طلبي منهن التسجيل في هذا المركز.
تعرفت إليهن، ووجدت لدى كل واحدة منهن أكثر من مهارة.. كانت مضيعة لا
يستفيد منها غيرها. واحدة منهن كانت ماهرة في الطبخ، فشجعتها على كتابة
طرائق ما تتقنه من طبخات، ثم طبعها، وبيعها للمنتسبات. وكان الريع للمسلمين
المحتاجين في العالم.
ثانية قامت بتفريغ بعض الأشرطة، وكتابة محتوياتها في دفتر، وجعلها مادة لدروس تلقيها في حلقات الأخوات.
ثالثة ورابعة تسابقتا في حفظ سور القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسة أخذت تعد دفترا تجمع فيه الأحاديث لتفيد به (النادي الثقافي)، كما
أخذت تجمع أسئلة المسابقة الثقافية وإجاباتها وإعدادها بشكل جميل وجذاب.
ولم تتوقف نشاطات الأخوات بانتهاء المركز الصيفي الخيري، ولم تنقطع صلاتهن
بانقطاع الدوام فيه، بل واصلن ما بدأنه، من إعداد لوحات حائطية ومسابقات
وطرائف، والبحث عن أفكار جديدة، ليقدمنها إلى المركز الخيري في العام
المقبل. وصرن يتبادلن الزيارات، ويعقدن دروسا وحلقات صغيرة فيما بينهن؛
يحفظن القرآن والحديث، ويربين أنفسهن على مبادئ الإسلام.
ولقد شجع نجاح عملنا.. أخوات في مناطق أخرى، لم يكن فيها مثل هذه المراكز،
على التقدم إلى الجهات المسئولة؛ مطالبات بفتح مركز لتحفيظ القرآن فيما
بينهن، وتحقق لهن ما أردن، وكن الرائدات في ذلك. أما من لا تستطيع الالتحاق
بهذه المراكز، بسبب منع أهلها لها، فكانت الأخوات في المركز على اتصال
دائم بها، عن طريق الهاتف والرسائل، يتذاكرن معهن الله تعالى، ويتفكرن في
آلائه ونعمائه، وفي زوال هذه الدنيا، ومتاعها القليل، حتى كنا نشعر، كما
قالت الأخت العانس في رسالتها إليكم:
(إننا والله لفي سعادة لا يعلم بها إلا الله، ولو علم بها أهل الدنيا
لجالدونا عليها بالسيوف)، وليست تلك السعادة ناتجة عن العنوسة- كما قد يفهم
البعض- وإنما هي ثمرة تعلق القلب بالله تعالى، وتفرغ الأخت لإرضائه بكل
قول وعمل.
لقد كنا نشعر حقا؛ إذا أمد الله في أعمارنا، في صحة وعافية، ودامت هذه الحال من الخير والنعيم والإيمان؛ أننا في جنة الدنيا.
وأنقل هنا كلاما قرأته للأخت يمان السباعي في كتابها "الراقصون على
جراحنا": إن الفتاة قد تمر الأيام عليها وهي وحيدة كئيبة، في حياة رتيبة،
مملة، دون دعوة إلى الله وعمل جاد، وجهاد مستمر في سبيله، ودون أخوات في
الله، وتخاف أن تذبل وتخبو وحدها في زاوية منسية، وتحاول أن تخرج للحياة
التي تركتها على قارعة الطريق، سواء أكانت ملمة بالهوية أم مسلمة حقا،
فتسقط هي الأخرى وتنحرف، والانحراف في حال كونها مسلمة حقا هو ابتعاد عن
طريق الله أولا، وتوغل في الجهل ثانيا, ولكننا، والحال هذه، لا نقبل أن
يكون الزواج هم الفتاة في مثل هذا المجتمع الذي لا يرحم ولا يعرف حاجات
الإنسان، مع أنه من الواجب أن يكون الزواج هم الفتاة؛ لأنها من خلال الزواج
تؤدي وظيفتها في الحياة بدليل قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}
فمن هنالك تنطلق إلى العالم عن طريق طفل، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم:
"والزوجة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".
... ولكن، لتعلم كل فتاة أن الغاية من الحياة هي العبودية بمعناها الخاص ومعناها العام، فإذا توفر المناخ المناسب لبناء بيت مسلم.. قامت الفتاة بعبادة ربها من خلال الزواج وتربية الأولاد، وقد تنشئ لنا الجيل الذي نريد.
.. فإن لم يكن؛ فإن طرق العبادة العامة كثيرة وعلى رأسها الدعوة إلى الله
عز وجل. فلتلتفت إلى المنحرفات عن طريق الله لتجعل منهن بنات لها وتهديهن
إلى صراط الله السوي (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا).
ولكن يجب عليكِ أن تتعلمي أولا العلم الشرعي حتي تكون الدعوة إلي الله علي بصيرة .
ولتجعلي من المجتمع الإسلامي بيتا كبيرا أنتِ فيه شمس هداية، ونبراس حق
وعدل ومعرفة وعلم. ولنتواص بالحق والصبر:{إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]