الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين وبعد
:
فإن التفاضل بين الناس لا يحكمه نسب ولا جسامة ولا مال ولا غيرها من الأمور الدنيوية ، وإنما يحكمه أمور دينية لا غير .
وإن من الأمور التي هي أسس التفاضل بين الناس عند الله ما يلي :
أولا : التفاضل يكون بالتقوى :
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
الحجرات :(13)
قال ابن حجر – رحمه الله - : تضمنت هذه الآية أن المناقب عند الله إنما هي التقوى بأن يعمل بطاعته ويكف عن معصيته . أ . هـ
فالمعتبر في التفاضل بين الناس عند الله سبحانه هو التقوى فهي المعيار والأساس الذي يتميز به الناس فيما بينهم .
ثانيا : التفاضل بين الناس في الفقه في الدين :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) أخرجه
البخاري : 3493 .
قال ابن حجر – رحمه الله - : وأما قوله إذا فقهوا ففيه إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين .
ثالثا : التفاضل في الأخلاق الحسنة :
وهذه الصفة أشار إليها الحديث أعلاه قال ابن حجر – رحمه الله - :
والمراد بالخيار والشرف وغير ذلك من كان متصفا بمحاسن الأخلاق ، كالكرم
والعفة والحلم وغيرها ، متوقيا لمساوئها كالبخل والفجور والظلم وغيرها . أ .
هـ
فهذا الحديث بين أن التفاضل يكون :
1 – بمحاسن الأخلاق .
2 – وبالتفقه في الدين .
رابعا : التفاضل يكون في الدين والتدين والسبق إليه :
عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أرأيتم إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرا من بني تميم وبني أسد ومن
بني عبدالله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة ؟ فقال رجل : خابوا وخسروا
. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم خير من بني تميم ومن أسد ومن بني
عبدالله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة ) . البخاري : 3515
وجاء من حديث عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه : أن الأقرع بن حابس قال للنبي
صلى الله عليه وسلم : إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة –
وأحسبه وجهينة – قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرأيت إن كان أسلم وغفار
ومزينة – وأحسبه وجهينة – خيرا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان خابوا
وخسروا ؟ قال نعم . قال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنهم لأخير
منهم ) البخاري : 3516 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
أسلم وغفار وشئ من مزينة وجهينة خير عند الله أو قال يوم القيامة من أسد
وتميم وهوازن وغطفان ) . البخاري : 3523
تنبيه (( هذه الأحاديث ليس فيها ذم لتميم وغطفان وأسد وهوازن وبني عامر
وإنما فيها بيان الأفضلية والخيرية فقط فلا يستدل أحد بهذه الأحاديث على
ذم هذه القبائل )) وقد جاء حديث في مدح بني تميم وأنهم أشد الناس على
الدجال .
قال ابن حجر – رحمه الله - : ( هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية – يقصد أسلم
وغفار ومزينة وجهينة وأشجع – في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة
وبني تميم بن مر وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه
من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك ). أ0هـ
قال ابن حجر : ( وظهر مصداق قول الله الرسول صلى الله عليه وسلم – أي تفضيل
جهينة وغيرها على تميم وأسد وغيرهما – عقب وفاة النبي فارتد بنو أسد مع
طلحة بن خويلد . وارتد بنو تميم مع سجاح ) أ هـ
فالتفاضل بين الناس عند الله وفي الدين الإسلامي لا يكون بمكتسبات لا يد
للإنسان فيها وإنما يكون التفاضل بما يحصله الإنسان بعمله : التقوى ، الدين
والسبق إليه ، الأخلاق الحسنة ، والفقه في الدين .
هذا والله أعلم وأحكم .